فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال مجد الدين الفيروزابادي:
بصيرة في السبق:
سبقه يَسْبِقه ويسبُقه: تقدّمه في السّير.
وقوله تعالى: {فالسابقات سَبْقاً} يعنى الملائكة تسبق الجِنّ باستماع الوحى.
والاستباق والتسابق بمعنى.
ثمّ يتجوّز به في غيره من التَّقدّم، قال تعالى: {لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ}، وقوله: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ} أَى نَفَذت وتقدّمت.
ويستعار السّبْق لإِحراز الفضل، وعلى ذلك قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} أَى المتقدّمون إِلى رُتبهم، ثواب الله تعالى وجَنَّته، بالأَعمال الصّالحة؛ نحو قوله: {يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ}، وقوله: {وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}.
وقوله: {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} أَى لا يفوتوننا.
وقوله تعالى: {فَاسْتَكْبَرُواْ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ} تنبيه أَنَّهم لا يفوتونه.
وفى الصَّحيح: «سِيرُوا، سَبَق المفرِّدون. قيل: مَن هم يا رسولَ اللهِ؟ قال: الَّذِينَ اهتزُّوا بذكر الله عَزَّ وجلّ».
وقيل ورد السّبق في القرآن على ستَّة أَوجه:
الأَول: بمعنى الوجوب: {سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا} أَى وجبت.
الثَّانى: بمعنى الاصطياد: {إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} أَى نصطاد.
الثالث: بمعنى التقدّم على عزم الهروب: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ}.
الرابع: بمعنى الفَوْت: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا} أَى يفوتونا.
الخامس: بمعنى إِيصال ملائكة الرّحمة أَرواح المؤمنين إِلى الجنَّة، وملائكةِ العذاب أَرواح الكافرين إِلى جهنَّم: {فالسابقات سَبْقاً}.
السّادس: سَبْق المؤمنين إِلى الجنَّة: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ}.
السابع: سَبْق العجز والإِهانة: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ}.
الثامن: سَبْق التوحيد والشهادة: {سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ}.
التَّاسع: سبق الخير والطَّاعة: {يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}.
العاشر: سَبْق العفو والمغفرة: {سَابِقُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ}.
الحادى عشر: سبق الجهاد والهجرة: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ}.
الثانى عشر: سبق الفضل والعناية: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى}. اهـ.

.تفسير الآيات (15- 26):

قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حديث مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طوى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تزكى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقال أنا رَبُّكُمُ الْأَعلى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نكال الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كانت قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع القبط أشبه شيء بالقيامة لما حصل فيها من التقلبات والتغيرات وإيجاد المعدومات من الجراد والقمل والضفادع على تلك الهيئات الخارجة عن العادات في أسرع وقت.
وقهر الجبابرة والمن على الضعفاء حتى كان آخر ذلك أن حشر بني إسرائيل فنشطهم من القبط نشطاً رقيقاً كلهم وجميع ما لهم مع دوابهم إلى ربهم وحشر جميع القبط وراءهم فنزعهم نزعاً كلهم بحشر فرعون لهم بأصوات المنادين عنه في أسرع وقت وأيسر أمر إلى هلاكهم كما يحشر الأموات بعد إحيائهم بالصيحة إلى الساهرة، ثم كانت العاقبة في الطائفتين بما للمدبرات أمراً أن نجا بنو إسرائيل بالبحر كما ينجو يوم البعث المؤمنون بالصراط، وهلك فرعون وآله به كما يتساقط الكافرون بالصراط، وذلك أنه رأى فرعون وجنوده البحر قد انفلق لبني إسرائيل فلم يعتبروا بذلك ثم دخلوا فيه وراءهم، ولم يجوزوا أن الذي حسره عن مكانه قادر على أن يعيده كما ابتدأه فيغرقهم واستمروا في عماهم حتى رده الله فأغرقهم به كما أن من يكذب بالقيامة رأى بدء الله له ولغيره وإفناءه بعد إبدائه ثم إنه لم يجز أن يعيده كما بدأه أول مرة، وصل بذلك قوله تعالى جواباً لمن يقول: هل لذلك من دليل؟ مخاطباً لأشرف الخلق إشارة إلى أنه لا يعتبر هذا حق اعتباره إلا أنت، مستفهماً عن الإتيان للتنبيه والحث على جمع النفس على التأمل والتدبر والاعتبار مقرراً ومسلياً له صلى الله عليه وسلم ومهدداً للمكذبين أن يكون حالهم- وهم أضعف أهل الأرض لأنه لا ملك لهم- حكال فرعون في هذا، وقد كان أقوى أهل الأرض بما كان له من الملك وكثرة الجنود وقوتهم وسحرهم ومرودهم في خداعهم ومكرهم ورأى من الآيات ما لم يره أحد قبله، فلما أصر على التكذيب ولم يرجع ولا أفاده التأديب أغرقه الله وآله فلم يبق منهم أحدًّا وقد كانوا لا يحصون عدداً بحيث إنه قيل: إن طليعته كانت على عدد بني إسرائيل ستمائة ألف: {هل أتاك} أي يا أعلم الخلق {حديث موسى} أي ما كان من أمره الذي جددناه له حين أردناه فيكون كافياً لك في التسلية ولقومك في الحث على التصديق والتنبيه على الاعتبار والتهديد على التكذيب والإصرار {إذ} أي حين {ناداه ربه} أى المحسن إليه بإيجاده وتقريبه وتدبيره أمر إرساله وتقديره {بالواد المقدس} أي المطهر غاية التطهر بتشريف الله له بإنزال النبوة المفيضة للبركات، ثم بينه بقوله: {طوى} وهو الذي طوى فيه الشر عن بني إسرائيل ومن أراد الله من خلقه ونشر بركات النبوة على جميع أهل الأرض المسلم بإسلامه، وغيره برفع عذاب الاستئصال عنه، فإن العلماء قالوا: إن عذاب القبر- أي عذاب الاستئصال- ارتفع حين أنزلت التوراة. وهو واد بالطور بين أيلة ومصر.
ولما ذكر المناداة فسر ثمرتها بقوله مستأنفاً منبهاً لأصحاب الشهوة المعجبين المتكبرين، وقد أرشد السياق إلى أن التقدير، ناداه قائلاً: {اذهب إلى فرعون} أي ملك مصر الذي كان استعبد بني إسرائيل ثم خوّف من واحد منهم فصار يذبح أبناءهم خوفاً منه وهو أنت فربيناك في بيته لهلاكه حتى يعلم أنه لا مفر من قدرنا، فكنت أعز بني إسرائيل، وكان سبب هلاكه معه في بيته بمرأىً منه ومسمع وهو لا يشعر بذلك ثم قتلت منهم نفساً وخرجت من بلدهم خائفاً تترقب.
ولما أمره بالذهاب إليه، علله بما يستلزم إهلاكه على يده عليه الصلاة والسلام إشارة له بالبشارة بأنه لا سبيل له عليه، ولذلك أكده لأن مثل ذلك أمر يقتضي طبع البشر التوقف فيه فقال: {إنه طغى} أي الحد وتجاوز الحد فاستحق المقابلة بالجد، ثم سبب عن الذهاب إليه قوله: {فقل} أي له تفصيلاً لبعض ما تقدم في (طه) من لين القول ولطف الاستدعاء في الخطاب: {هل لك} أي ميل وحاجة {إلى أن تزكى} أي تتحلى بالفضائل، وتتطهر من الرذائل، ولو بأدنى أنواع التزكي: الطهارة الظاهرة والباطنة الموجبة للنماء والكثرة، وإفهام الأدنى بما يشير إليه إسقاط تاء التفعل المقتضي للتخفيف، وذلك بالإذعان المقتضي للإيمان وإرسال بني إسرائيل، وقرأ الحجازيان ويعقوب بالتشديد أي تزكية بليغة لأن من دخل في التزكي على يد كامل لاسيما بني من أولي العزم أوشك أن يبلغ الغاية في الزكاء.
ولما أشار له الطهارة عن الشرك، أتبعها الأعمال فقال: {وأهديك} أي أبين لك بعد التزكية بالإيمان الذي هو الأساس: كيف المسير {إلى ربك} أي الموجد لك والمحسن إليك والمربي لك بتعريفك ما يرضيه من الأعمال وما يغضبه من الخصال بعد أن بلغك في الدنيا غاية الآمال {فتخشى} أي فيتسبب عن ذلك أنك تصير تعمل أعمال من يخاف من عذابه خوفاً عظيماً، فتؤدي الواجبات وتترك المحرمات وسائر المنهيات، فتصير إلى أعلى رتب التزكية فتجمع ملك الآخرة إلى ملك الدنيا، فإن الخشية هي الحاملة على كل خير، والآمن هو الحامل على الشر.
ولما كان التقدير: فذهب إليه كما أمره الله تعالى، فقال له ذلك فطلب الدليل على صحة الرسالة واستبعد أن يختص عنه بهذه المنزلة العلية وقد رباه وليداً {فأراه} أي فتسبب عن طلبه له أنه دل على صدقه بأنه أراه {الآية} أي العلامة الدالة على ذلك {الكبرى} وهي قلب العصا حية أو جميع معجزاته {فكذب} أي فتسبب عن رؤية ذلك أنه أوقع التكذيب بشيء إنما يقتضي عند رؤيته التصديق {وعصى} أي أوقع العصيان، وهو الإباء الكبير والتكبر عن امتثال ما دعي إليه مجموعاً إلى التكذيب بعد إقامة الدليل على الصدق وتحقق الأمر.
ولما كان التمادي على التكذيب ممن رأى وعرف الحق ولاسيما إذا كان كبيراً مستبعداً جدًّا، أشار إليه بأداة التراخي مع دلالتها على حقيقة التراخي أيضاً فقال: {ثم أدبر} أي فرعون بعد المهلة والأناة إدباراً عظيماً بالتمادي على أعظم مما كان فيه من الطغيان بعد خطوب جليلة ومشاهد طويلة.
حال كونه {يسعى} أي يعمل بغاية جهده عمل من هو مسرع غاية الإسراع في إبطال الأمر الرباني بقلة عقله وفساد رأيه وأبى أن يقبل الحق {فحشر} أي فتسبب عن إدباره ساعياً وتعقبه أنه جمع السحرة طوعاً وكرهاً وزاد عليهم أيضاً جنوده {فنادى} أي في المجامع {فقال} أي مناديه الذي لا يشك أنه عنه، فكان قوله كقوله: {أنا} وقال حمزة الكرماني: قال له موسى عليه السلام: إن ربي أرسلني إليك، لئن آمنت بربك تكون أربعمائة سنة في السرور والنعيم، ثم تموت فتدخل الجنة، فقال: حتى أستشير هامان، فاستشاره فقال: أتصير عبداً بعد ما كنت رباً تعبد، فعند ذلك بعث الشرط وجمع السحرة والجنود، فلما اجتمعوا قام عدو الله على سريره فقال: أنا {ربكم الأعلى} فكان هذا نداؤه يعني كلكم أرباب بعضكم فوق بعض وأنا أعلاكم، ولا رب فوقي أصلاً، وذلك لأن الإله عنده الطبيعة، وهي مقسمة في الموجودات، فهم كلهم أرباب، ومن كان أعلى كان أقعد في المراد، وهو كان أعلى منهم فقبحه الله ولعنه ولعن من تمذهب بمذهبه كابن عربي وابن الفارض وأتباعهما حيث أنكروا المختار الملك القهار، ورسوله المصطفى المختار، وتبعوا في وحدة الوجود بعض الفلاسفة ثم الحلاج بعد فرعون هذا الذي لم يصرح الله بذم أحد ما صرح بذمه، ولم يصرح بشقاء أحد ما صرح بشقائه، كهذه الآية فإنها مصرحة بوقوع نكاله في الآخرة كما وقع في الدنيا، وقوله تعالى: {فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم المقبوحين} [القصص: 40- 42] إلى غير ذلك من الآيات البينات والدلائل الواضحات التي لا تحصى وهي كثيرة، وأعظمها القياس البديهي الإنتاج {وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين} [يونس: 83] {وإن المسرفين هم أصحاب النار} [غافر: 43] ويروى أن إبليس لما سمع منه قوله هذا قال: إني تجبرت على آدم فلقيت ما لقيت، وهذا يقول هذا؟ وهذا دعاه إليه الكبر الناشئ من فتنة السراء التي الصبر فيها أعظم من الصبر في الضراء، قال الإمام الغزالي في كتاب الصبر من الإحياء: فالصبر على الطاعة شديد لأن النفس بطبعها تنفر عن العبودية وتشتهي الربوبية، ولذلك قال بعض العارفين: ما من نفس إلا وهي مضمرة ما أظهره فرعون من قوله: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات: 24] ولكن فرعون وجد له مجالاً وقبولاً فأظهره إذ استحف فأطاعوه وما من أحد إلا وهو يدعي ذلك مع عبده وخادمه وأتباعه وكل من هو تحت قهره وطاعته وإن كان ممتنعاً من إظهاره، فإن امتعاضه وغيظه عند تقصيرهم في خدمته لا يصدر إلا عن إضمار الكبر ومنازعة الربوبية في رداء الكبرياء- انتهى.
ويؤيده أن النبي صلى الله عليه وسلم ما لام خادمه في شيء قط- والله تعالى هو الموفق للصواب.
ولما أخبر سبحانه عنه بهذه الكلمة الشنعاء القادحة في الملك، وكان الملوك لا يحتملون ذلك بوجه، سبب عنها وعقب قوله: {فأخذه الله} أي الملك الذي لا كفوء له ولا أمر لأحد معه أخذ قهر وذل منكلاً به مخذلاً له: {نكال الآخرة} فهو مصدر من المعنى، أي أخذ تنكيل فيها يكون مثلاً يتقيد به ويتعظ كل من سمعه عن مثل حال فرعون، وقدمها اهتماماً بشأنها وإشارة إلى أن عظمة عذابها أعظم ولا يذوقه الإنسان إلا بكشف غطاء الدنيا بالموت، وتنبيهاً على أن المنع من مثل هذه الدعوى للصدق بها أمكن، وليس ذلك للفاصلة لأنه لو قيل: {الأخرى} لوافقت {والأولى} أي ونكال الدنيا الذي هو قبل الآخرة فإن من سمع قصة غرقه ومجموع ما اتفق له كان له ذلك نكالاً مانعاً من عمل مثله أو أقل منه، قال الضحاك: أما في الدنيا فأغرقه الله تعالى وألقاه بنجوة من الأرض، أما في العقبى فيدخله الله تعالى النار ويجعله ظاهراً على تل منها مغلولاً مقيداً ينادي عليه هذا الذي ادعى الربوبية دون الله انتهى.
وأنا لا أشك أن الحلاج وابن عربي وابن الفارض، وأتباعهم يكونون في النار تحتهم وتحت آله يشربون عصارتهم، فإنهم ادعوا أنه ناج وصدقوه فيما ادعاه وادعوا لأنفسهم وغيرهم مثل ما ادعاه تكذيباً للقرأن وإغراقاً في العدوان، وزادوا عليه بابتذال الاسم الأعظم الذي حماه الله من أن يدعيه أحد قبل إرسال النبي صلى الله عليه وسلم فادعوا أنه يطلق عليهم وعلى كل أحد بل كل شيء، وأمارة هذه الطائفة الخبيثة التي لا تتخلف أن تقول لأحدهم: العن فرعون الذي أجمع على لعنه جميع الطوائف.
وهو مثل عندهم في الشرارة والخبث فلا يلعنه، وإن لعنه فبعد توقف.
ولما لخص سبحانه وتعالى ما مضى من قصصه في هذه الكلمات اليسيرة أحسن تلخيص وأقربه مع عدم المخالفة لشيء مما مضى لأن المفصل موضع الاختصار أما باعتبار النزول فإنه نزل أولاً فكان تقريب القصص للناس بالاقتصار على ما لابد منه أولى ليستأنسوا به، وأما من جهة الترتيب فلتذكيرهم بما مضى ليجتمع في المخيّلة في أقرب وقت ويتذكر به ذلك المبسوط، وختمه بأخذه هذا الأخذ الغريب أرشد إلى ما في القصة من العبرة، مشيراً إلى استحضار ما مضى كله، فقال مؤكداً مقرراً للمكذب ومنبهاً للمصدق: {إن في ذلك} أي الأمر العظيم الذي فعله والذي فعل به {لعبرة} أي أمراً عظيماً يتعمد الاعتبار به من معنى إلى معنى حتى يقع به الوصول إلى كثير من المعارف {لمن يخشى} أي من شأنه الخوف العظيم من الله لأن الخشية- كما تقدم- هي أساس الخير، فأول العبور أن ينقل السامع حال غيره إليه فيتذكر بإنجاء بني إسرائيل على ضعفهم منهم على قوتهم ثم بقوة ما حصل لهم من القهر من ذلك حتى أوجب اتباعهم بالجنود ثم بفرق البحر ثم بإيرادهم إياه ثم بإغراقهم فيه كلمح البصر لم يخرج منهم مخبر قدرة الله تعالى على إيراد الكفار النار وقهر كل جبار وبجعل العصا حية وإخراج القمل والضفادع من الأرض وتحويل الماء دماً قدرته سبحانه وتعالى على ذلك السامع بالعذاب وغيره وعلى خصوص البعث- إلى غير ذلك من العبر وواضح الأثر. اهـ.